لم نكد نفيق من مفاجأة دعوة المغرب والأردن للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، حتى أصابتنا كلمة الاتحاد بالدوار، وتفشت مقالات كثيرة في الأيام الماضية محفزة للسير في اتجاهه، منتقدة المتحفظين عليه، ووجدنا (نحن العمانيين) أنفسنا محسوبين على فئة الرافضين للاتحاد، بينما هناك دول مؤيدة وأخرى مترددة، حتى صار كتّاب الأعمدة والرأي والمنتديات يطلقون التأويلات والفتاوى حول موقفنا - الذي لم نسمع إعلاناً رسمياً عنه أو حتى عبر تصريحات لأحد المسؤولين لدينا - الواقف ضد الاتحاد، مع أنه قوة.. و.. و..، وغيرها من المثاليات التي لم تحقق لنا في مجلس التعاون حتى عملة موحدة بين أربع دول على الأقل. وفيما كان الاتحاد مجرد فكرة تمت الدعوة إليها ومناقشتها، ثارت ثائرة (الجار الإيراني) الذي رأى في الأمر عدواناً عليه واستفزازاً له، مع أن دول الخليج العربية الست تسمع كل أسبوع تقريباً تصريحاً استفزازياً من القادة الإيرانيين، بما يكفي لإذكاء المخاوف لدى أبناء الخليج العربي، من الطموحات الثورية والإمبراطورية الإيرانية التي تغرس مخالبها التوسعية في أكثر من بقعة عربية، ولم يعد الأمر خافياً عما يخرج من تصريحات لا يمكن وصفها بأقل من أنها استفزازية تجاه شعوب سعت وراء جوار آمن، لا يلقي الزيت على نار الفتن المذهبية كلما خبت جذوتها، بل تعمل على مصالح عليا مشتركة تضع الدين وليس المذهب أساساً لتقاربها، والاقتصاد والتنمية محوراً لها. الطموح الخليجي لتحقيق اتحاد سُداسي من الواضح أنه رد فعل على التدخلات الإيرانية والتهديدات، التي يمكن الاستشهاد بكثير منها، والاستعداد لسيناريوهات مستقبلية لها، لا يمكن أن تكون بمواجهات فردية. وقد يتراجع الحديث مستقبلاً عن هذا الاتحاد، كما تراجعت فكرة ضم المغرب والأردن إلى تعاون مشترك إنْ هدأت لغة الحكومة في طهران. السير على حافة المواجهة بدا خطاً ميز السياسة الإيرانية في السنوات الأخيرة، خاصة مع وجود الرئيس أحمدي نجاد الذي رفع من حدة لغة التصريحات، ليس لحرق العدو الإسرائيلي ومعه قوى الاستكبار، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، بل ليشمل ذلك حتى جيرانه العرب والمسلمين، كأنما لا يطيب لقادة دول العالم الإسلامي تحرير القدس سوى بالسير على رماد الجيران، فعلها صدام العراق فأحرق آبار نفط جارته في التاريخ والجغرافيا الكويت بعد أن احتلها، ولم يحرق شجرة واحدة في تل أبيب. وفي تكرار- وإنْ بدا مختلفاً - لسيناريو قديم، تغيب لغة الطمأنة من الجار الإيراني لمن حوله من دول عربية وإسلامية، والإصرار الأوضح هو السير باتجاه حافة الهاوية التي ينظر إليها الخليجيون اليوم بقلق، وتأتي أحلام الاتحاد جزئياً لمواجهة صدام مباشر مع إيران، أو لمواجهة صدام إيراني غربي ستكون منطقة الخليج ساحته، أو اتفاق إيراني- غربي ستكون المنطقة أيضاً ساحة دفع ثمنه فقط ولا شيء غير ذلك. جرب الخليج العربي مرارة أن يكون جاراً لأصحاب سياسات منفلتة من عقال احترام الجوار والتاريخ المشترك، ويدرك أن نار التصريحات الإيرانية لا تنفك تلقي بشررها، والبراجماتية السياسية قد تجعل اليد الأميركية تصافح اليد الأميركية بما يمكنه إيجاد معادلات دراماتيكية مذهلة. فالثروات الهائلة في باطن أرضها تغري باتفاق إيراني أمريكي يذيب كل التصريحات، ليضع على الطاولة لغة المصلحة، حيث لا "محور شر" ولا "شيطان أكبر". هل الحديث عن اتحاد خليجي واقعي أم أن تسويقه لم يكن بالشكل المطلوب، حتى يكتسب أرضية شعبية يتم البناء عليها بعيداً عن أفكار السيطرة والسيادات التي بنيت خليجياً خلال العقود الأخيرة بمفاهيم تقليدية تضع اعتزاز العربي بمحليته فوق كل اعتبار.. وفوق كل الحسابات؟ محمد بن سيف الرحبي كاتب عُماني